تعيش الرجاء الرياضي اليوم أزمة خانقة تُعيد إلى الأذهان مشاهد مشابهة لما حدث قبل قرابة عشر سنوات، حين رفعت “الكورفا سود” عام 2015 تيفو fiasKO، مرفقًا بعبارة واضحة: “C’ÉTAIT PRÉVISIBLE” (كان متوقعًا). تلك الرسالة حينها عكست الوضعية الحرجة التي مر بها النادي نتيجة الفشل الإداري والرياضي، وكأن التاريخ يعيد نفسه مع تكرار نفس الأخطاء التي أعادت الفريق إلى دوامة الأزمات.
فعلى الرغم من تحقيق نجاحات تاريخية في الموسم الماضي، أبرزها التتويج بـكأس العرش وحصد 72 نقطة كرقم قياسي في الدوري، وجد الرجاء نفسه في مواجهة انتقادات حادة بسبب التراجع الكبير في نتائجه الإدارية والرياضية. مع تغيير أربعة مدربين خلال أربعة أشهر فقط، بدا واضحًا أن غياب التخطيط والاستقرار يهدد مستقبل النادي. وفي محاولة لإعادة الاستقرار، أعلن المكتب المسير استقالته وعقد جمع عام استثنائي في 5 فبراير المقبل، في خطوة يائسة لمعالجة الأزمة المتفاقمة.
الرجاء: من رقم قياسي إلى مركز متواضع
في الموسم الماضي، كتب الرجاء الرياضي اسمه بحروف من ذهب في تاريخ الكرة المغربية، محققًا 72 نقطة دون هزيمة في الدوري وفوزًا بـكأس العرش، ليصبح رمزًا للنجاح والاستقرار.
لكن هذا الموسم شهد تراجعًا كبيرًا، إذ يحتل الفريق حاليًا المركز الثامن بـ23 نقطة بعد مرور 16 جولة (مع ثلاث مباريات مؤجلة)، إلى جانب خروجه من المنافسات الإفريقية في 19 يناير، مما يُظهر الفرق الشاسع بين أداء الفريق في الموسمين.
إعلان الاستقالة وتشكيل لجنة مؤقتة
في يوم خروج الفريق من المنافسة الإفريقية، أصدر المكتب المسير لنادي الرجاء الرياضي بيانًا أعلن فيه استقالته وعزمه على عقد جمع عام استثنائي لمناقشة استقالة المكتب الحالي وتعيين لجنة مؤقتة لتسيير شؤون النادي إلى حين انعقاد الجمع العام العادي القادم.
ورغم أن هذه الخطوة جاءت بعد مطالبات طويلة من جماهير الرجاء برحيل المكتب الحالي، إلا أنها قد تكون جاءت متأخرة، حيث تعالت الأصوات المطالبة بالتغيير منذ أشهر.
عادل هلا المسؤول !
عُيّن عادل هلا رئيسًا لنادي الرجاء الرياضي في 19 يوليوز وتم انتخابه رسميًا في 12 سبتمبر 2024، حيث كان يُعتبر الذراع الأيمن لرئيس النادي السابق، محمد بودريقة. وبعد غياب الأخير بسبب ملاحقته خارج المغرب ثم اعتقاله في ألمانيا، تمكن عادل هلا رفقة المكتب المسير من مواجهة التحديات العديدة التي واجهت الفريق في الموسم الماضي.
رغم الصعوبات الكبيرة، خاصة المالية منها، نجح النادي في تحقيق إنجازات تاريخية، مما عزز ثقة الجماهير في قدرة عادل هلا على قيادة الفريق بنجاح. لكن الواقع الحالي يعكس صورة مغايرة، حيث أظهرت التعاقدات غير الموفقة، والتغييرات المتكررة في المدربين، وسلسلة النتائج السلبية ضعف الأداء الإداري وغياب رؤية واضحة.
وفي تطور جديد، من المنتظر أن يمثل عادل هلا، رئيس نادي الرجاء الرياضي، والمدير العام للنادي حمزة السايري، يوم الاثنين المقبل أمام قاضي التحقيق بالغرفة الأولى بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، المختصة بجرائم الأموال. هذا الاستدعاء جاء بناءً على شكاية تقدمت بها إحدى الشركات التجارية، مما يفتح باب التساؤلات حول الطريقة التي تُدار بها الأمور المالية داخل النادي، ويزيد من الضغط على الإدارة الحالية التي تعاني بالفعل من انتقادات جماهيرية واسعة بسبب سوء الأداء الرياضي والإداري.
الاختيارات الفاشلة
بعد رحيل المدرب جوزيف زينباور، استهل الرجاء الرياضي موسمه بهزيمة أولى منذ أكثر من عام أمام نهضة بركان بنتيجة (1-0) في 31 أغسطس 2024، ضمن الجولة الأولى من الدوري المغربي. تلت هذه الخسارة هزيمة ثقيلة أخرى أمام اتحاد طنجة بنتيجة (3-1) في 25 سبتمبر، مما أدى إلى تفاقم الوضع وأثار غضب الجماهير بشكل كبير.
على إثر هذه النتائج المخيبة، اتخذت إدارة النادي قرارًا عاجلًا بإقالة المدرب البوسني روسيمير سفيكو، الذي كان قد تم تعيينه خلفًا لزينباور، في محاولة لتدارك الوضع المتدهور. بعد ذلك، تولى عبد الكريم جيناني قيادة الفريق مؤقتًا، ونجح في تحقيق ثلاث انتصارات متتالية في الدوري أمام كل من أولمبيك آسفي (3-1)، الفتح الرباطي (1-0)، ونهضة الزمامرة (2-0).
رغم هذه النتائج الإيجابية، قررت الإدارة في 10 أكتوبر التعاقد مع المدرب البرتغالي ريكاردو سا بينتو، المعروف بطباعه الحادة وخبرته المحدودة. لكن الآمال المعلقة عليه سرعان ما تبخرت، حيث فشل في تحسين الأداء العام للفريق. سجل الرجاء تحت قيادته ستة تعادلات وثلاث هزائم، منها اثنتان في دوري أبطال إفريقيا، مقابل تحقيق انتصارين فقط، مما زاد من إحباط الجماهير. ومع استمرار النتائج المخيبة، أعلنت الإدارة في 21 ديسمبر إنهاء عقده رسميًا.
بعد رحيل سا بينتو، تولى حفيظ عبد الصادق، لاعب الرجاء السابق، قيادة الفريق. ورغم تحقيقه انتصارين مهمين في دوري أبطال إفريقيا أمام ماميلودي صن داونز وأس مانييما يونيون، إلا أن الوضع العام للفريق لا يزال يثير قلق الجماهير بسبب استمرار التذبذب في الأداء وعدم وجود استقرار فني أو إداري.
وعلى صعيد التعاقدات، خلال الميركاتو الصيفي، ضمت الإدارة 12 لاعبًا جديدًا، لكن الأداء لم يكن على قدر التوقعات. وفقًا للجماهير، برز فقط ثلاثة لاعبين هم لحرار، نجاري، ومعموري، بينما أثارت بقية التعاقدات الفاشلة تساؤلات عديدة حول المشروع الرياضي الذي يشرف عليه عادل بقيلة. هذا التخبط في التعاقدات والإدارة ساهم في تعميق الأزمة التي يعيشها الفريق، مما جعل الجماهير تطالب بإصلاحات جذرية تعيد الرجاء إلى المسار الصحيح.
الأزمة مالية تعيق رفع المنع عن انتدابات الرجاء
يواجه الرجاء الرياضي صعوبات كبيرة في رفع عقوبة المنع من الانتدابات خلال “الميركاتو” الشتوي بسبب الأزمة المالية الخانقة التي يمر بها النادي. وتُولي الإدارة الأولوية حاليًا لسداد المستحقات العالقة للاعبين الحاليين، بما في ذلك منح التوقيع المتأخرة، بالإضافة إلى الوفاء بالاتفاقيات المالية مع لاعبين سابقين تنازلوا عن شكاياتهم مقابل دفعات محددة.
ويتوجب على النادي دفع أكثر من 1.5 مليار سنتيم خلال أسبوع لرفع العقوبة وتسجيل لاعبين جدد، وهو تحدٍ مالي كبير يُهدد قدرة الرجاء على تعزيز صفوفه. وأشار المدرب حفيظ عبد الصادق، بعد مباراة اتحاد طنجة، إلى أن رفع المنع يبدو معقدًا، مؤكداً أنه سيواصل العمل مع المجموعة الحالية لتحسين الأداء في ظل هذه الظروف الصعبة.
بيع اللاعبين الأساسيين ومغادرة البعض
مما زاد الطين بلة، رحيل عدد من لاعبي الرجاء الأساسيين، سواء عن طريق بيعهم لتعزيز الموارد المالية للنادي، أو بسبب انتهاء عقودهم ورغبتهم في خوض تجارب جديدة. من بين هؤلاء اللاعبين محمد مكعازي ومهدي موهوب، اللذين كانا من الركائز الأساسية في تشكيلة الفريق.
بالإضافة إلى ذلك، تلقى الرجاء الرياضي مؤخرًا ضربة موجعة برحيل بعض لاعبيه الأساسيين الذين شكلوا أعمدة الفريق على مدار السنوات الماضية، أبرزهم الحارس أنس الزنيتي. كما أن المدافع عبد الله خفيفي يقترب من مغادرة النادي، بعد تلقيه عرضًا رسميًا من أحد الأندية السعودية، مما يزيد من تعقيد الوضع ويضع الفريق تحت ضغوط كبيرة في ظل هذه الفترة الحرجة.
إغلاق الملعب ومنع التنقل
يواجه الرجاء تحديات كبيرة نتيجة إغلاق ملعب محمد الخامس بسبب أعمال الإصلاح والصيانة، مما أجبر الفريق على خوض مبارياته في ملعب العربي الزاولي. هذا الانتقال أثر بشكل مباشر على الفريق، حيث يُعتبر ملعب محمد الخامس معقلًا تاريخيًا للفريق ومصدرًا رئيسيًا لدعم الجماهير. إلى جانب ذلك، أثّر غياب المباريات في هذا الملعب على الإيرادات المالية للنادي، إذ كانت مداخيل بيع التذاكر تشكل جزءًا كبيرًا من دخل النادي، خصوصًا في المباريات الكبرى التي تجذب آلاف المشجعين.
زيادة على ذلك، تم منع جماهير الرجاء من التنقل خارج مدينة الدار البيضاء لدعم فريقها، بينما تُمنح جماهير الفرق الأخرى الحرية الكاملة للتنقل ومساندة أنديتها في مختلف المدن. هذا التفاوت أثار غضب جماهير “الماغانا”، التي ترى أن هذا القرار يُمثل تمييزًا واضحًا وغير مبرر ، حيث أدى إلى شعور بعدم الإنصاف والعدالة، مما زاد من حدة التوتر بينها و الجهات المسؤولة عن اتخاذ مثل هذه القرارات، وأثر على دعمها النفسي والمعنوي للفريق الذي يمر أصلًا بظروف صعبة على الصعيد الإداري, المالي والرياضي.
“الكورفا سود” توجه انتقادات لاذعة للإدارة
منذ ديسمبر 2024، عبّرت جماهير الرجاء عن غضبها من الأداء الإداري للنادي. انتقدت جماهير الرجاء، وخاصة مجموعات الألتراس مجموعات (“ڭرين بويز” “وإلترا إڭلز”) بيانات لاذعة تنتقد فيها “التعاقدات الفاشلة” و”غياب الخبرة الإدارية”.
وجاء في بيان جماهير “الماڭانا” الأول:
“القرارات الإدارية والتقنية الخاطئة تهدد مستقبل النادي باستمرار الأزمة المالية، وتعرض استقراره الرياضي للخطر.”
وفي بيان لاحق، أكدت الألتراس:
“الإدارة الحالية أصبحت عبئًا على النادي. ليس هناك أي شرعية لاستمرارها. الرحيل هو الخيار الوحيد.”
وأشارت إلى أن قرارات المكتب تهدد بإطالة أمد الأزمة المالية التي يعاني منها الرجاء، مما يؤدي إلى استنزاف موارده، ويقوض استقراره ويؤدي إلى تراجعه الرياضي. كما وجهت الجماهير انتقادات لغياب هيكل رياضي مناسب،
وهو ما فتح المجال لاتخاذ قرارات من قبل أفراد يفتقرون إلى الكفاءة والخبرة اللازمة. واعتبرت أن هذه السياسات تتناقض تمامًا مع الوعود التي قدمها أعضاء المكتب الحالي، والانتقادات التي كانوا يوجهونها للإدارات السابقة.
مستقبل الرجاء بين اللجنة المؤقتة والإصلاحات الجذرية
مع اقتراب موعد الجمع العام الاستثنائي، تبرز تساؤلات حول قدرة اللجنة المؤقتة على إعادة الاستقرار للنادي. هل يكفي تعيين لجنة لتسيير الشؤون الإدارية؟ أم أن الحل يكمن في إصلاح جذري يشمل تحويل النادي إلى شركة رياضية وتحقيق شراكات تضمن استقراره المالي؟
